موضوع: رمضان مختلف هذا العام الخميس سبتمبر 25, 2008 10:46 pm
رمضان مختلف هذا العام" جملة تسمعها كثيراً في بغداد من أفواه المواطنين، وترددها وسائل الإعلام المحلية أيضا. والاختلاف هنا يتعلق تحديداً بتحسن الوضع الأمني، قياساً برمضان من العام الفائت وما قبله. حيث انتعشت بعض مظاهر الحياة الليلية في أحياء عديدة داخل العاصمة، خصوصاً في فترة ما بعد الفطور، التي تتيح للصائمين فرصة التجوال في الأسواق الشعبية القريبة أو الذهاب إلى المتنزهات والمطاعم والكافتريات مع أفراد العائلة، بعد تعب الصيام خلال النهار، وسط درجات الحرارة المرتفعة لصيف هذه السنة.
ولعل أبلغ دلالة على انتعاش الحياة الليلة وانطواء صفحة العنف الأهلي، هو إقامة بعض النشاطات في منطقة شارع الكفاح وسط بغداد خلال الليل، وبالذات "لعبة المحيبس" الشعبية، التي يشترك فيها عدد كبير من اللاعبين، ينقسمون إلى فريقين، ويكون المحبس (الخاتم) في يد أحد منهم وعلى الفريق الآخر تحديد صاحب المحبس. لاعبي "المحيبس" تواجدوا بالعشرات في شارع الكفاح، الذي كان واحدا من أخطر المناطق داخل العاصمة وظل لفترة طويلة ساقطا في يد المسلحين من الجماعات السنية المتشددة، ومنطقة مواجهة بينها وبين قوات الأمن العراقي أو بعض المليشيات الشيعية سابقاً.
الشيء الذي لم يختلف في رمضان هذا العام عن الأعوام السابقة هو ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو حكاية تتكرر في شهر رمضان من كل عام، ليس في العراق وحده وإنما في الكثير من الدول العربية، حسبما تورده بعض التقارير الاقتصادية. ولكن أسباب ارتفاع الأسعار في العراق في شهر رمضان لها بعض الخصوصية. فمن المعروف أن التجار يستثمرون الإقبال المتزايد على بعض المواد الغذائية خلال هذا الشهر لزيادة الأسعار، ولكن هناك أسباب أخرى.
"أم حسن" سيّدة تسكن في حي المنصور ببغداد، تقول أنها تضطر للذهاب إلى الشورجة، وهو مركز التسوق الأساسي في بغداد، من أجل الحصول على المواد التي تحتاجها بأسعار أقل من تلك التي يضعها أصحاب المحال في منطقتها السكنية، والتي تصل إلى أكثر من الضعف أحيانا، وتعزو سبب هذا الارتفاع غير المعقول، إلى تذرّع التجار وأصحاب المحال بصعوبة نقل البضائع والمواد الغذائية من الشورجة، بسبب كثرة السيطرات الامنية والحواجز والطرق المقطوعة، مما يضاعف من أجور النقل، وبالتالي يضاعف أسعار المواد الغذائية المنقولة.
مواطنون آخرون شكوا من تأخر حصولهم على الحصص التموينية، وتأخر الزيادة التي أعلنتها وزارة التجارة بمناسبة شهر رمضان على حصة الفرد الواحد من البقوليات وبعض المواد الأساسية الداخلة في وجبة الإفطار الأساسية للصائمين. مما جعل الطلب عليها في السوق المحلية شديداً وضاعف من أسعارها.
التصريحات الصحفية لوزارة التجارة كانت قد أعلنت أن الزيادة الرمضانية على الحصة التموينية تتضمن 5 كغم من مادة الطحين الصفر لكل عائلة و2 كغم من السكر ونصف كيلوغرام بقوليات، ولكن مشكلات في التفريغ على ميناء البصرة التجاري ساهمت في تأخير وصول هذه الزيادة إلى المواطنين.
الأمر الثاني الذي لم يختلف في رمضان هذا العام عن الأعوام الماضية هو أزمة الكهرباء، فمع ارتفاع درجات الحرارة خلال النهار يجد المواطنون، والصائمون منهم بالذات، مشقة كبيرة في مقاومة الحر بغياب وسائل التكييف المرتبطة بالكهرباء، وكثرة الأعطال في المولدات الأهلية بسبب الحر، ثم تأتي أزمة المياه الصالحة للشرب والتي لا تأتي بشكل منتظم لنصف أحياء بغداد تقريباً، مع عدم ثقة الأهالي بصلاحيتها للشرب.
الشيء الثالث الذي لم يتغير أيضاً، هو طبيعة النشاط البشري خلال شهر الصيام، حيث يخفت النشاط في العديد من مرافق الحياة، وتغلق العديد من المطاعم والكفتريات والمقاهي أبوابها خلال النهار. ويحاول المواطنون تقليل ساعات الخروج، والعودة إلى المنزل بوقت مبكر، تجنباً للزحامات الشديدة التي تزداد مع اقتراب موعد الفطور، وأيضاً، بسبب غياب أماكن الترفيه او التسلية خلال النهار. وتبقى متابعة البرامج الفكاهية والمسلسلات التلفزيونية المادة الترفيهية الأساسية في شهر رمضان. وهذه تحتشد كلها، في القنوات العراقية والعربية، خلال الليل.
ومن الطريف ان القنوات العراقية، التي تتنافس في هذا الشهر لجذب انتباه المواطن ومتابعته لبرامجها ومسلسلاتها الدرامية، تتباين في نقل الأجواء الرمضانية، حيث تركز قناة "العراقية" شبه الحكومية على التحسن الأمني، وتنقل أجواء الحركة والنشاط خلال الليل في الأسواق والأحياء السكانية المختلفة داخل العاصمة، وتنقل آراء تمتدح الحكومة لهذا التحسن. بينما ركزت قناة "الحرة" الأميركية على بعض القصص والحالات الخاصة، مثل الأوضاع التي يعيشها المهجرون الذين يقيمون في الخيام، وكيف استقبلوا شهر رمضان، بالإضافة إلى نقل بعض الفعاليات الحياتية كلعبة "المحيبس" الشعبية المرتبطة بشهر رمضان وألعاب تراثية أخرى.
أما قناة "الشرقية" فركزت، كما هي عادتها كل سنة، على بعض البرامج الميدانية مثل برنامج "فطوركم علينا" الذي يقوم فيه كادر الشرقية بأعداد وجبات الفطور في كل حلقة لعائلة عراقية مختلفة مع منحها بعض الهدايا، وهو من البرامج التي يتابعها الكثير من العراقيين، قبل أن يتعرض أربعة من فريق البرنامج للخطف (مدير القناة في الموصل ومصورين وسائق) ومن ثم القتل على يد جماعات مسلحة في الموصل، فيما نجت مقدمة البرنامج فريدة من الموت مصادفة، حيث كانت متواجدة داخل أحد البيوت أثناء عملية الخطف.
وبالعودة الى لعبة "المحيبس" الشعبية، فأن من أكثر الامور دلالة في رمضان هذا العام، هو اتفاق شباب من حيي الاعظمية والكاظمية، على معاودة لعبة المحيبس بين الحيين الشهيرين، وهي اللعبة التي كانت تدور( خلال الليل وربما حتى الفجر ) بين ابناء الحيين منذ عشرات السنين في شهر رمضان من كل عام قبل أن تغزو أحداث العنف الطائفية عموم البلاد.